تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}

صفحة 463 - الجزء 5

  هذا أمر بقيام بعض الليل، وفي ذلك خلاف من وجوه ثلاثة:

  الأول: في ماهية المأمور به، هل هو الصلاة أو قراءة القرآن.

  والثاني: في حكم هذا الأمر، هل هو للوجوب أو للندب.

  والثالث: هل المأمور به إن قلنا: إنه للوجوب باق أو منسوخ.

  أما الأول: فقال أكثر المفسرين أن ذلك أمر بالصلاة، وكان رسول الله ÷ يصلي بالليل فتسامع الناس بذلك، واجتمعوا وكبروا، فدخل البيت فجعلوا يتنحنحون حتى يخرج إليهم.

  وقال أبو مسلم: المأمور به تلاوة القرآن، وأنه تعالى أمره أن يقسم الليل بين النوم والتلاوة.

  وأما الوجه الثاني: فهو هل الأمر للوجوب أو للندب؟ فقال أكثر المفسرين: إن الأمر للوجوب، وأن الزيادة والنقصان إلى رأي المصلي.

  وقال أبو علي: إنه أمر ندب؛ لأن الواجب لا يخير فيه، ولقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ}.

  وأما الأمر الثالث: وهو هل هي باقية أو منسوخة؟

  فقال الأكثر إنها منسوخة، وأنه ÷ كان يصلي بالليل وأن الناس لما كبروا دخل بيته فكانوا يتنحنحون حتى يخرج إليهم، فنزلت: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} ففرضت الصلاة في الليل حتى كان أحدهم يربط حبلا فيتعلق به.

  وقيل: لما نزلت اشتد عليهم محافظة الوقت وكانوا يقومون الليل حتى يصبحوا فشق ذلك عليهم، وتورمت أقدامهم، واصفرت ألوانهم، وظهرت السيماء في وجوههم، فرحمهم الله تعالى وخفف عنهم ونسخ ذلك.

  وروي عن ابن عباس والحسن، وقتادة: كان بين أن فرض عليهم وبين النسخ سنة. وعن سعيد بن جبير: عشر سنين. وعن عائشة: ثمانية أشهر.