وقوله تعالى: {فأولئك حبطت أعمالهم}
  يحتاج(١) إلى دليل، وقد حصل الإجماع أنه يحبط الثواب وفاقا بين العدلية، خلافا لأكثر المرجئة(٢)، فإنهم جوزوا اجتماع الثواب والعقاب للمكلف، فما الدليل على أنه يبطل(٣) الإجزاء، والكبائر محبطات؟ فكان يلزم أن لو سرق أو زنى بعد الحج أن يعيده؛ لأن العمل قد حبط، ولم يقل بذلك أحد، بل يلزم أن الفاسق لو ارتكب صغيرة أن يبطل وضوءه وحجه؛ لأن الكبيرة هي ما زاد عقابها على ثواب صاحبها، والفاسق لا ثواب له(٤)، وإن قلتم إحباط العمل يختص بالكفر فقط؛ لأن الآية علقته بالشرك لزم أن لا ينتقض الوضوء بالكبيرة التي لا توجب الكفر، وقد جعلتم الكبائر ناقضة، واستدللتم بقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(٥) واعلم أن المتكلمين اختلفوا بما ذا يتعلق الإحباط والتكفير؟ فقال أبو علي: يتعلق بالطاعة والمعصية، وهذا يناسب قول المؤيد بالله، وأبي حنيفة: إنه يجب إعادة الحج، لكنه ينتقض بالكبيرة غير الشرك، وقال أبو هاشم وأكثر المحصلين بعده: إنه يتعلق بالثواب والعقاب، ودليل هذا أن معنى الإحباط يرجع إلى التنافى، والتنافي إنما يكون بين الثواب
(١) قوله: يحتاج إلى دليل جواب الشرط وهو قوله (إن قيل).
(٢) المرجئة هم: هم كل من يقول الإيمان قول بلا عمل، ومن تردد في دخول الفاسق النار، وأما من جوز العفو، فمنهم من أطلق عليه، وهو العرف الشائع، ومنهم من منعه. والمرجئة تلصق بكل مذهب ففي المعتزلة غيلان بن مسلم وأتباعه، ومحمد بن شبيب وغيرهم، ومن الأشعرية جم غفير (شرح الأزهار).
(٣) في نسخة (يحبط).
(٤) فالصغيرة كبيرة في حقه.
(٥) قد تقدم للمصنف قريبا ما هو كالجواب عن ذلك، حيث قد علق الإحباط بالشرك فقط، ولا كذلك غيره من المعاصي، وأما نقض الوضوء فهو موقوف على الدليل النبوي الوارد في ذلك عموما وخصوصا، فلا يذهب عنك ما قدمنا قريبا في اعتبار الشرك في الاحباط، والله أعلم فليتأمل.