قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}
  إن كانت الموالاة بمعنى الموادة، وهي أن يوده لمعصيته، كان ذلك كالرضاء بالمعصية، فإن كانت كفرا كفر، وإن كانت فسقا فسق، وإن كانت لا توجب كفرا ولا فسقا لم يكفر ولم يفسق.
  وإن كانت الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة، فإن كانت محالفة على أمر مباح أو واجب، كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم، ويحالفوهم(١) على ذلك، فهذا لا حرج فيه، بل هو واجب.
  وإن كانت على أمر محظور كأن يحالفوهم على أخذ أموال المسلمين، والتحكم عليهم، فهذا معصية بلا إشكال، وكذلك إذا كانت بمعنى أنه يظهر سر المؤمنين، ويحب سلامة الكافرين لا لكفرهم، بل ليد عليه لهم، أو لقرابة، أو نحو ذلك فهذا معصية بلا إشكال، لكن لا يبلغ حد الكفر؛ لأنه لم يرو أن رسول الله ÷ حكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة.
  وقال المنصور بالله: إن مناصرة الكفار على المسلمين توجب الكفر؛ لأنه ÷ قال للعباس(٢): ظاهرك علينا، وقد اعتذر بأنه خرج مكرها.
  أما مجرد الإحسان إلى الكافر فجائز، لا ليستعين به على المسلمين، ولا لإيناسه، وكذلك أن يضيق لضيقه في قضية معينة لأمر مباح فجائز، كما كان من ضيق المسلمين من غلب فارس للروم.
  فصار تحقيق المذهب: أن الذي يوجب الكفر من الموالاة أن يحصل من الموالي الرضاء بالكفر، والذي يوجب الفسق أن يحصل الرضاء بالفسق.
(١) في نسخة (ويحالفونهم) بإثبات النون، وهذا على جعل الواو للحال لا للعطف. أي: محالفين.
(٢) يقال: أصله الكفر، فلا حجة، وقد نظر ما هنا في شرح الآيات للنجري.