التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين 93 فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون 94 قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 95}

صفحة 1246 - الجزء 2

  وعن الحسن: حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبدًا لله، وسأل أن يجيز ذلك له، فحرمه اللَّه على ولده.

  «مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ» يعني كان هذا التحريم قبل نزول التوراة، اختلفوا في هذا الطعام المحرم على بني إسرائيل، فقيل: إنه تعالى حرم عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولها اقتداء بنبيهم يعقوب، عن السدي، وقيل: إنه حرم عليهم لتحريم يعقوب فإنه نذر ألا يأكله ولا ولده ولم يكن محرمًا في التوراة، عن عطية، وقيل: لم يحرم ذلك في التوراة، وإنما حرم بعد ذلك بظلمهم وكفرهم، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبًا عظيمًا حرم عليهم طعامًا طيبًا، أو صب عليهم وجزًا وهو الموت، عن الكلبي دليله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} وقيل: لم يكن شيء من ذلك حرام عليهم ولا حرمه اللَّه تعالى، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعًا لأمتهم ثم أضافوا تحريمه إلى اللَّه تعالى، «قُلْ» يا محمد «فأتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا» أي فاقرؤوها لتبيين أنه كما قلت أو كما قنتم «إِن كنتم صادِقِينَ» في دعواكم «فَمَنِ افْترَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ» أي فمن كذب اللَّه «مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ» أي من بعد ظهور البينة والحجة، قيل: بعد مجيء التوراة «فَأُوْلَئِكَ» يعني المفترين على اللَّه الكذب «هُمُ الظَّالِمُونَ» لأنفسهم بفعل ما أوجب العقاب عليهم، وقيل: أولئك القائلون على اللَّه الباطل، ثم بين أن الصدق فيما أخبره اللَّه به، فقال تعالى: «قُلْ» يا محمد لهم «صَدَقَ اللَّه» فيما أخبر أن محمدًا على ملة إبراهيم وأن دينه دين الإسلام، في أن الطعام كان حلًّا لهم وغير ذلك مما أخبر «فَاتَّبِعُوا مِلْةَ إِبْرَاهِيمَ» أي شريعته ودينه «حَنِيفًا» مسلمًا مستقيمًا على الحق «وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» كما تزعمه اليهود والنصارى ومشركو العرب.

  · الأحكام: تدل الآية على أن إسرائيل حرم على نفسه ما كان حلالاً له فتدل أن للرسول أن يفعل ذلك، لولاه لما فعله، واختلفوا كيف حرمه، قيل: بالاجتهاد، وقيل: وفق للصواب، وقيل: بالنذر، وقيل: بنص ورد عليه، وقيل: حرمه كما يحرم المستظهر في دينه من الزهاد اللذة على نفسه.