التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم 118}

صفحة 3284 - الجزء 5

  ومتى قيل: إذا لم تكن منهم معصية فما معنى قبول توبتهم؟

  قيل: هو قبول طاعاتهم وما قاسوه من الشدة في غزواتهم.

  وقيل: توبتهم عن سائر المعاصي لما ظهر منهم في هذا الغزو من البصيرة، وإن كانت التوبة متقدمة.

  وقيل: كانوا يجددون التوبة، ويكثرون الاستغفار.

  وقيل: هموا بالانصراف عن الغزو من غير أمر، ثم تابوا، ولم ينصرفوا، وهذا هو الوجه.

  «إِنَّهُ» يعني اللَّه تعالى «بِهِمْ» أي: بالمؤمنين «رَءُوفٌ رَحِيمٌ» أيْ: عظيم الرأفة والرحمة، والرأفة أعظم الرحمة، وقيل: الرأفة تتضمن رحمة سابقة، والرحيم يتضمن رحمة مستقبلة.

  · الأحكام: تدل الآية على فضل المهاجرين والأنصار لتحملهم تلك المشاق في الدين في تلك الغزوة، وعلى فضائل عثمان خصوصًا.

  وتدل على فضلهم حيث جمع بين ذكر النبي ÷ وذكرهم.

  وتدل من وجه آخر أنه وصفهم باتباع النبي، فيوجب أنهم اتبعوه ظاهرًا وباطنًا، فيوجب القطع على صفاء سرائرهم، ووجوب موالاتهم.

  وتدل على أن بعضهم هم بشيء، ولم يفعل.

  وتدل على أن جميعهم لم يفعلوا لذلك قال: «يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ».

  وتدل على أنهم لم يزيغوا؛ لأن (كاد) للمقاربة دون الفعل.

قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ١١٨}