التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17 وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين 18 فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 19}

صفحة 5794 - الجزء 8

  وتدل الآية أن الجن لا تعلم الغيب، فيبطل قول جهال الحشو، وكان الحسن يقول: إن أولئك كانوا كفارًا؛ إذ لو كانوا مؤمنين ما اشتد حرصهم على التخلص.

  ويدل موت سليمان وبقاؤه كذلك مدة على معجزة عظيمة، وكان يطيل القيام، ولا يكلمونه أبدًا لهيبته، فظنوا هذه المدة كذلك.

  وتدل أن الجن لم تسخر لأحد بعد سليمان.

  ومتى قيل: هل يقدر الجن بعده على مثل هذه الأعمال؟

  قلنا: لو عادوا إلى ما كانوا لقدروا، وإنما صاروا كذلك معجزة لسليمان.

  ومتى قيل: فمن يزعم أن الجن تعلم الغيب أو تقدر على تلك الأعمال العظيمة أو تغيير الصور هل يكفر؟

  قلنا: نعم؛ لأنه يسد على نفسه طريق معرفة النبوات.

قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ١٥ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ١٦ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ١٧ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ١٨ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ١٩}

  · القراءة: قرأ «لِسَبَأَ» مفتوحةَ الهمزةِ غيرَ محركٍ أبو عمرو، وروي نحوُه عن ابن كثير، وروي عنه أيضًا (سَبَا) بغير همز مثل: (سعى)، وروي عنه بهمزة ساكنة، الباقون بالجر والتنوين، وكلاهما جائز، فمن أجراه جعله اسم بى جل معروف، ومن ترك إجراءه فعلى أنه اسم، قبيلة؛ نحو قولهم: هذه تميم، وهو اختيار أبي عبيد لقوله: «مساكنهم».