التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما 100}

صفحة 1713 - الجزء 3

  «غَفُورًا» يغفر ذنوبهم، ودخلت (كان)، قيل: كان كذلك قبل أن يَخلُق، يعني كان عفوًّا غفورا رحيمًا بعباده قبل خلقهم، عن الحسن، وقيل: القوم شاهدوا رحمة اللَّه فأعلموا أن ذلك كانت من اللَّه عادة أجراها في خلقه، وقيل: دخلت لتدل على ما وقع ووجد؛ لأنها لو ذكرت للصفة لجاز أن يتوهم أنها لما لم تقع وإنما المراد ما وقع، ذكر الأوجه الثلاثة أبو إسحاق الزجاج.

  · الأحكام: تدل الآية على أن من لم يجد مَخْلَصًا كان معذورًا في ترك الهجرة.

  وتدل على أن كل عبادة عجز عنها فهو معذور في تركها؛ لأن سبيلها سبيل الهجرة.

  وتدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ؛ لأنه تعالى إذا عذرهم من حيث لم يجدوا الحيلة فبأن يعذرهم إذا لم يقدروا أصلاً أولى. ومن وجه آخر ذكره أبو علي: لأنه خالف بين من يستطيع الهجرة، وبَيْن من لا يستطيع للعذر في سقوط العقاب، وهو خلاف قول الْمُجْبِرَة في أنه يعاقب على ترك الإيمان وإن لم يعطه القدرة، وأيضًا الكل عندهم سواء أنهم لا يستطيعون الهجرة إلا بعد الهجرة فما معنى الفرق؟

  وتدل على أنه عفو غفور كثير العفو والمغفرة؛ لأن بناء «فعول» ينبئ عن الكثرة.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ١٠٠}