التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون 33 ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين 34}

صفحة 2211 - الجزء 3

  تحسرهم وتمنيهم الرد، وسؤالهم ذلك يدل على أن ما قصروا فيه فعلهم، وأنهم كانوا قادرين على خلافه؛ إذ لو لم يكن فعلهم ولم يقدروا عليه لم يكن لذلك معنى، عن أبي علي.

  وقيل: قوله: «فَرَّطْنَا» يدل على أنهم كانوا مُمَكَّنِين؛ لأنه لا يوصف مفرطًا فيما لا يقدر عليه، ولا فيما هو فِعْلٌ لغيره، وكذلك التحسر والتمني، عن القاضي.

  ويدل عليه قوله: «بِمَا كُنْتُمْ تَكفرونَ»، ودل أن الكفر فعلهم لا خلقه، وكذلك قوله: «كَذَّبُوا»، وكذلك قوله: «يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ» وكذلك قوله: «أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ» فكل ذلك يبطل قولهم في المخلوق والاستطاعة.

  وتدل على أن الدنيا وأمورها ليس لها عاقبة محمودة، وأن المحمود هي الدار الآخرة وعملها.

  وتدل على أن الجنة تنال بالتقوى.

  ومتى قيل: لِمَ خص المتقين بأن الآخرة خير لهم؟

  قلنا: فيه قولان: أحدهما: لأنهم اختصوا بأنهم أهلها المنتفعون بأعظم نعيمها، وهو الثواب، وقيل: لأن الكفار يعاقبون فيها، فلا تكون خَيرًا لهم.

  وتدل على أن العقاب يكون جزاء على الأعمال؛ لذلك تجسروا، ولذلك قال: «يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ» فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ بأنها ليست بجزاء على الأعمال.

قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ٣٣ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ٣٤}