التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون 125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون 126}

صفحة 2395 - الجزء 3

  «صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ» قيل: ذل وهوان من عند اللَّه، وقيل: أنفتهم من اتباع الحق صَغَارٌ عند اللَّه، عن الفراء، وقيل: صغار في الآخرة، عن الزجاج. «وَعَذَابٌ شَدِيدٌ» قيل: صغار في الدنيا وعذاب في الآخرة «بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ» أي: جزاء على مكرهم.

  · الأحكام: تدل الآية على ذم من يأنف عن اتباع الحق؛ لأنهم أنفوا عن اتباع الرسول، فاعْتَلُّوا بأنهم لا يؤمنون حتى يُوحَى إليهم.

  وتدل على أن للرسالة شرائط اللَّه أعلم بها، وأن الإيمان يلزم كل مكلف، وإن كان لا يصلح للرسالة.

  ومتى قيل: نحن نعلم شرائط النبوة، فكيف قال: «اللَّه أعلم»؟

  قلنا: منها ما لا يعلمه إلا هو، وما نعلمه إنما نعلمه جملة، وهو يعلم التفاصيل؛ لأنه يعلم مَنْ يصلح له، ولا نعلم وجوه التنفير ووجوه المصالح.

  وتدل على أن المجرم يناله العذاب، وهو عام، فيبطل قول المرجئة.

قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ١٢٥ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ١٢٦}

  · القراءة: قرأ ابن كثير: «ضَيْقًا» ساكنة الياء مخففة، وكذلك في (الفرقان)، وقرأ الباقون «ضَيِّقًا» مشددة الياء مكسورة فيحتمل أن يكونا بِمَعْنىً كسَيِّدٍ وسَيْد، وهَيِّن وهَيْن، ولَيِّن وليْن، وميِّت وميْت، ويحتمل أن يكون من: ضاق الأمر يضيق ضيْقًا، والتشديد من ضيّق يُضَيِّق، ومعناه: المشقة.