التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا 8 وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا 9 وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 10}

صفحة 7112 - الجزء 10

  ومنها: دلالة قوله: «آمنا» أن الإيمان فعلُهم، خلاف مذهب الْمُجْبِرَة.

  ومنها: أنهم لم يجوزوا ظهور المعجز على غير الأنبياء؛ لذلك اعترفوا بنبوته.

  ومنها: دلالة قوله تعالى: {جَدُّ رَبِّنَا} الآية، أنَّهم اعتقدوا التوحيد والعدل، فعظموا الله في صفات ذاته، وصفات فعله، ونفوا عنه التشبيه، والجبر.

  ومنها: دلالة قوله: {كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} أن فيهم من كان يغلو في باطله.

  وتدل أن ذلك القول فعلُهم؛ لذلك أضافهم إلى السفه بسببه، فمن هذا الوجه تدل على بطلان مذهب الْمُجْبِرَة في المخلوق، ففيها دلالة قوله: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ} أنهم كانوا مقلدة، قلدوا على ظن حتى سمعوا القرآن والحجة، وانكشف لهم الحق، وصح ما قالوا، فرجعوا متعجبين مما كانوا عليه، وهذا كرجل يرى شيخًا على كرسي متطيلسًا متعممًا متحبكًا وحوله العوام من الناس، وهو يبكي ويتضرع، ويُعَلِّمُ الناس التشبيه والجبر، فظن أنه على شيء، وأنه لا يكذب على الله، فإذا ظهر له بالدليل كَذِبُهُ وبهته يتعجب، ويقول: ما ظننت أن مثل هذا يكذب على الله، كذلك هَؤُلَاءِ، وفي الآية إشارة إلى بطلان التقليد، ووجوب اتباع الحجة.

قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ٦ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ٧ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ٨ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ٩ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ١٠}

  · اللغة: العياذ: مصدر عاذ يعوذ عوذًا وعياذًا، والعياذ بالشيء والاستجارة والاعتصام من النظائر وهو: الامتناع بالشيء من لحاق الشيء.

  والرهق: أصله اللحوق، ومنه: راهق الغُلامُ: إذا لحق حال الرجال، ورجل مُرَهَّقٌ: إذا ارتكب الفواحش، كأنه لحق الإثم.