التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون 112 ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون 113}

صفحة 2369 - الجزء 3

  عباده الإيمان؛ لأنه أمر به، ووعد عليه، وهذا كإرادة المسلمين إيمان اليهود والنصارى من أهل الذمة، وكما يريد بعضنا من بعض أن يفعل ما فيه صلاحه.

  والثاني: أن يريد إكراههم على أمر فهذا هو المراد بالآية، ونحن نقول: إنه لم يرد إيمانهم على هذا الوجه.

  وتدل على أن مشيئته محدثة؛ لأن الاستثناء يدل عليه، ولو كانت قديمة لما صحت كما لا يصح أن يقال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يعلم اللَّه.

  ومتى قيل: فلم لا يقال: إنهم لم يؤمنوا لأنه يعلم أنه لم يشأ؟

  قلنا: لو كان كذلك لكان وقوعه موقوفًا على المشيئة سواء كانت الآيات أو لم تكن، وفي هذا إبطال الآيات.

  وتدل على أن الإيمان فعلهم؛ إذ لو كان خَلْقَهُ لما كان للآيات فائدة.

  ومتى قيل: فمن أين قلتم: إنه يشاء منهم الإيمان؟

  قلنا: لأنه فاعل غاية ما يدل على المشيئة: أَمَرَ ووعد ورغب فيه، وأوعد على تركه ونهى عنه، ولأنه لو شاء الكفر لكان الكافر يفعله مطيعًا، ولأن إرادة القبيح قبيحة، ولأنه لو جاز أن يريد الكفر والضلال لجاز منا أن نريد، ولأنه عاقبهم عليه، ولأن الحكيم لا يريد سب نفسه، وقَتْلَ رسله، ولأن إرادة الشيء تتبع الداعي، ولا داعي في إرادة الكفر.

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ١١٢ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ١١٣}

  · القراءة: قراءة العامة «ولتصغى» بالتاء وفتح الغين، وعن إبراهيم النخعي بضم التاء وكسر الغين، يعني تميل يقال: صَغَوْتُ صَغْوًا، وأصغيت إصغاء بمعنى.