التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين 30 فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم 31}

صفحة 3632 - الجزء 5

  من البرهان، وكان مخلصًا لله، ولو فعل ما روي في ذلك لكان أعظم الفاحشة، وأي فاحشة أعظم من أن يقعد بين فخذيها، ويحل سراويله، وإنما امتنع مما يجري مجرى الإلجاء والقهر، وذلك مما لا يمدح به.

  وتدل على أن يوسف هرب منها، وأنه أظهر براءته عند الباب.

  وتدل على أنهم كانوا يعبدون اللَّه لذلك قال: «واستغفري لذنبك»؛ لأن ظاهر الاستغفار طلب المغفرة من اللَّه، قال الأصم حاكيًا عن بعضهم: إن ذلك السيد كان قليل الغيرة، فلذلك قال ليوسف: «أعرض عن هذا»، واقتصر على هذا القدْر.

  واحتج إسماعيل بن إسحاق بالآية على جوازا الحكم بالعلاقة نحو ما يفعله مالك في اللقطة، قال القاضي: والآية تدل على الحكم في نفي التهمة لا في الأحكام.

  قال أبو علي: وفي قوله: «اسْتَبَقَا الْبَابَ» من اختصار اللفظ وكثرة المعاني، وفصاحة النظم ما يدل على أنه كلام اللَّه تعالى، وليس من كلام البشر؛ لأن فيه أنه هرب منها، وأنها عدت خلفه لتأخذه لكيلا يسبقها فيخرج فتعلقت بقميصه، وانشق القميص بجذبها، ومحاولته التخلص والخروج من الباب، فجمع ذلك كله في قوله: «وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ».

  وتدل على أن الهم به والاستباق فعلهما، وأن الكيد فعلهن، فصح قولنا في المخلوق.

قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٣٠ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ٣١}