التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين 120 وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون 121 وانتظروا إنا منتظرون 122 ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون 123}

صفحة 3585 - الجزء 5

  «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» أي: وجب وعيده الذي لا خلف فيه، وَصَلَ بتمامه إلى عباده، عن الأصم، وقيل: معنى (وَتَمَّتْ) أي: مخبرها يكون على ما أخبر به، عن أبي علي. «لأملأَنَّ جَهَنَّمَ» يوم القيامة «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» الَّذِينَ اختلفوا في الحق، وتمسكوا بالباطل، وقيل: من الكفار.

  ومتى قيل: ما فائدة قوله: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ»؟

  قلنا: لأنه لو لم يتقدم الخبر لجاز العفو، فلما أخبرنا بأنه يخلدهم في النار، فلا يجوز غير ذلك.

  · الأحكام: تدل الآية الأولى أنه لو كان في أهل القرون الماضية جماعة ينهون عن الفساد لما عمهم الهلاك.

  ويدل قوله: «وما كان ربك ...» الآية. أنه لا يعذب من كان مصلحًا؛ لأنه ظلم، فتدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ أنه يجوز أن يعذب الأنبياء والمؤمنين، ويثيب الفراعنة.

  وتدل أنهم اختلفوا، وأن الاختلاف من جهتهم، فيبطل قولهم في المخلوق، ولا يقال: إن معناه للاختلاف خلقهم؛ لأنه لو كان كذلك لما صح أنه ينهى عنه، ولَمَا جاز أن يعذب عليه، ولا يبعث الرسل الداعية إلى خلافه.

  وتدل على معجزة لنبينا ÷ حيث أخبر عن الغيب ببقاء الخلاف، وبما يكون قبل أن يكون، فكان كما أخبر.

قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ١٢٠ وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ١٢١ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ١٢٢ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ١٢٣}