التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين 164}

صفحة 1375 - الجزء 2

قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ١٦٤}

  · اللغة: المَنُّ: النعمة، والمن: القطع، ومنه: {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} وهو الأصل في الباب، وسمي النعمة منًا؛ لأنها يقطع بها من البلية.

  · الإعراب: (قَبْلُ): رفع على الغاية، وهو مبني على الضم.

  · المعنى: لما نفى الخيانة عن الرسول وأمر الناس بترك الخيانة بين عظيم نعمه عليهم به، وأنه بعثه من بينهم، وهم شاهدوه صبيًا وناشئًا وكهلاً، فلم يعثروا منه على خيانة، فقال سبحانه: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ» أي أنعم اللَّه «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» وخصهم بالذكر، وإن كان هو مبعوثًا إلى الكل؛ لأن النعمة عليهم أعظم، ولأنهم اهتدوا به، وعلموا مواقعه، وانتفعوا ببيناته، وقيل: منته به عليهم ما اقتدوا به من دينه وشريعته، وقيل: ما استحقوا به الثواب، وتخلصوا من العقاب «إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ» أرسل فيهم «رَسُولاً» يعني محمدًا ÷ «مِنْ أَنْفُسِهِمْ» يعني نسبه فيهم، فذكر ذلك شرفًا لهم، وقيل: من أنفسهم يعني بلسانهم يسهل عليهم تعلم الحكمة منه، وقيل: من أنفسهم لئلا تلتبس عليهم أحواله في الطهارة، وقيل: إنه خطاب للعرب والعجم أي من جنسهم، فليس بِمَلَكٍ، ولا جِني؛ ليكونوا أقرب إلى القبول منه، وقيل: من أنفسهم أي نظيرًا لهم لا يَعْلَمُ كما لا يعلمون، ثم جاء بالرسالة والمعجزات «يَتْلُو» يقرأ «عَلَيهِمْ آيَاتِهِ» يعني كتابًا بعدما علموا أنه لا يقرأ كتابًا، ولا يخط بيمينه، ثم يتلو عليهم أقاصيص الأمم مع معرفتهم بصدقه وأمانته، وقيل: يتلو القرآن ثم يعلمهم ما يحتاجون إلى تعلمه «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» قيل: هو القرآن سمي كتابًا؛ لأنه يكتب، وحِكْمَةً؛ لأن فيه بيان ما يُحتاج