التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار 175}

صفحة 719 - الجزء 1

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ١٧٥}

  · اللغة: الصبر: حبس النفس على ما تكره، ومنه: قُتل فلان صبرًا، وقال أبو علي: ولا يجوز في صفة اللَّه تعالى الصبور، وقال غيره: يجوز بمعنى الحليم توسعًا.

  · الإعراب: (ما) في قوله: «فَمَا أَصْبَرَهُمْ» قيل: (ما) التعجب، وقيل: (ما) الاستفهام الذي يراد به التوبيخ والتقريع.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ذم من كتم الحق، فقال تعالى: «أُولَئِكَ» يعني من تقدم ذكرهم «الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى» يعني اختاروا الضلالة، وهي الكفر، والتمسك بالباطل، وعدلوا عن الحق، فصاروا بمنزلة من يشتري السلعة بالثمن، وهذا توسع؛ إذ ليس هناك بيع ولا شراء، والمراد ما ذكرنا، واختلفوا فقيل: اختاروا الكفر بالنبي ÷ بدلاً من الإيمان به، وقيل: كتمان أمره مع علمهم به بدل الإظهار، وقيل: الضلال: العذاب، والهدى: الثواب وطريق الجنة، يعني استبدلوا النار بالجنة، والعذاب بالمغفرة، وقيل: إنه تأكيد لما تقدم، عن الأصم وأبي مسلم. وقيل: معناه أنهم مع معرفتهم بما أعد اللَّه من العقاب لمن عصاه، وبما أعد لمن ترك معاصيه من الثواب، ثم أقاموا على ما هم عليه مصرين صاروا مشترين العذاب بالمغفرة، عن القاضي. وهذا هو الوجه؛ لأنه إذا أمكن حمله على زيادة فائدة كان أولى؛ فكان اشتراؤهم للضلالة بالهدى يرجع إلى عدولهم عن طريق العلم إلى طريق الجهل،