التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون 23 قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين 24}

صفحة 3061 - الجزء 4

  الكفر إلى دار الإسلام لنصرة الدين والرسول في تكثير سوادهم وانقطاعًا إليه وبراءة من الكفار وتميزًا منهم «وَجَاهَدُوا» تحملوا المشاق في ملاقاة الأعداء في باب الدين والمحاربة «بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً» قيل: درجة الإيمان أعظم وإن كانت السقاية درجة، وقيل: أعظمِ درجة من غيرهم عن الزجاج. وقيل: إن لهم بذلك منزلة نحو قوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} عن الحسن، وأبي علي. لأن الكافر لا تكون له درجة أصلاً «وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ» الناجون من النار الظافرون ببغيتهم و «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ» قيل: يبشرهم في الدنيا بما أعد لهم من الأجر والثواب، وقيل: يبشرهم في القرآن بما أعد للمؤمنين المجاهدين، وقيل: بالقرآن وغيره من الأدلة «بِرَحْمَةٍ مِنْهُ» أي: بنعمة «وَرِضْوَانٍ» أي: يبشرهم بأنه رضي عنهم «وَجَنَّاتٍ» بساتين «لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ» دائم، لا يزول، ولا ينقطع «خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» قيل: الجنة، وقيل: هو الإكرام والتعظيم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الجهاد من أعظم القُرَبِ؛ فلذلك قرنه بالإيمان.

  وتدل على أن فعل العبد محدث من جهته، وإلا لم يستحق المدح والذم.

  وتدل على أن سقاية الحاج وعمارة المسجد من القرب، فلذلك ذكرهما.

  وتدل على أن من جمع بين الصفات المذكورة يستحق الجنة، خلاف قول المرجئة.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٢٣ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤}