التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 23 مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون 24}

صفحة 3478 - الجزء 5

  لتحقيق هذه الإضافة معنى، فيبطل قولهم في المخلوق، وكذلك في إيجاب اللعن لهم والعرض والإضافة والإشهاد والكذب إليهم كل ذلك.

  وتدل على عرض وحساب في المعاد، وفيه لطف؛ لأن العبد إذا تصور ذلك كان أقرب إلى الطاعة، وأشد ارتداعًا عن المعاصي.

  وتدل على أن الصد عن الدين من أعظم الإجرام، ولا يكون كذلك إلا والدعاء إلى الدين وتبيانه واجب، وله رتبة عظيمة.

  ومتى قيل: هل للمجبرة حجة في قوله: «مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ» في أن الكافر لا قدرة له على الإيمان؟

  قلنا: لا؛ لأن السمع إذا حقق لم يكن مقدورًا للعباد، فكيف ينفي عنه الاستطاعة في الحقيقة، وإذا لم يدل الظاهر فلا بد من تأويل، وهو ما ذكرنا أنه يثقل عليهم.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٣ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٢٤}

  · اللغة: الإخبات: الطمأنينة، وأصله: الاستواء من الخبت، وهو الأرض المستوية الواسعة، فكأن الإخبات خشوع مستمر على استواء فيه.

  والأعمى: الذي لا يبصر. والأصم: الذي لا يسمع، واختلفوا أن الإدراك هل هو معنى أم لا؟ فقال أبو هاشم: لا، ولكن كل حي لا آفة به يجب أن يدرك.

  وقال أبو علي: هو معنى، وللمدرك بكونه مدركًا حال عند أبي هاشم، وإليه يشير أبو علي.