التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون 46}

صفحة 365 - الجزء 1

  أحدهما: أنه يكبر عليه ويشق كما يشق على غيره، ويزيده مشقة؛ لأنه يؤديها تامة من ابتدائها إلى انتهائها، ويحضرها النية في كل وقت وركن، ولا يلهي جوارحه فيتدبر آيات القرآن، ويتجدد عليه الخوف والحزن، ولكنه يسهل على نفسه؛ لِمَا علم من حسن عاقبته والثواب العظيم المعد له، وهذا كمن يشرب الدواء الكريه فإنه يسهل عليه شربه لما يرجو من العافية، والجاهل لا يصور لنفسه ذلك، فيشق عليه فعل الطاعة.

  والثاني: أنه قد اعتاد تحمل المشقة، فصار بمنزلة من لا يشِقُّ عليه، بخلاف من لا يعتاده.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الصبر والصلاة لطفان في التكليف؛ لذلك أُمِرْنَا بالاستعانة بهما على غيرهما، وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

  وتدل على أن تحمل المشقة يسهل متى تَصَوَّرْتَهَا عاقبة محمودة، وذلك صفة المؤمنين، وتدل على عظم موضع هاتين العبادتين لما خصهما بالذكر.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ٤٦}

  · اللغة: الظن والتحزير من النظائر، والظن جنس برأسه سوى الاعتقاد عند أبي علي والقاضي، وهو من جنس الاعتقاد عند أبي هاشم، ويفارق الشك؛ لأن في الشك يستوي النقيضان عنده، والظن أن يقوى أحد الجانبين، ويستعمل الظن بمعنى اليقين، قال الشاعر: هو دريد بن الصمة: