قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 94}
  صاروا إلى ذلك لهذه المعاني التي هي كفر، فأما من قال: فعل اللَّه ذلك بهم بكفرهم مجازاة لهم فغلط عظيم؛ لأن حب العجل ليس من العقوبة في شيء، ولا ضرر فيه، ولا يجوز أن يخلق حب العجل لأنه قبيح، يتعالى اللَّه عن ذلك، «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ اليهود «بِئْسَمَا يَأْمُرُكم به إِيمَانُكُمْ» يعني إن كان الترغيب فيه من جهة إيمانكم لكنه جاء على البلاغة، كقوله: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} أي فيها ذلك، فهذا مجاز أبلغ من الحقيقة «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» يعني بئس الإيمان إيمان يأمر بالكفر؛ ليدل بذلك على أنهم ليسوا بمؤمنين، وتقدير الكلام: إن كنتم مؤمنين بزعمكم، وقد أَمَرَكُمْ بعبادة العجل، فبئس الإيمان إيمان يأمر بالكفر، ولا يمنع منه؛ لأن حقيقة الإيمان تمنع من الكفر.
  · الأحكام: يدل قوله: (بقوة) على أن الاستطاعة قبل الفعل؛ لأنه لو قال: اصعد السطح بِسُلَّم، ولا سلم هناك، فلم يفعل، كان معذورًا، عن أبي علي.
  وتدل على أن الكفر وَحب العجل فِعْلُهُمْ؛ لذلك عاتبهم به، ومعنى المحبة هاهنا الإرادة لا الشهوة؛ لأن الشهوة لا يقدر عليها العباد، ولا يُؤْمَرُ بها، ولا يُنْهَى عنها.
  وتدل على أن جميعهم لم يتوبوا، وأن فيهم مَنْ زَعَمَ أن عبادة العجل من الإيمان؛ فلذلك أجيبوا بهذا.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٩٤}
  · اللغة: الخالصة والصافية من النظائر، ونقيضه: الشائب، يقال: خلص خلوصًا، وخالص الشيء إذا كان قد شيب ثم نجا، وخلص فلان إلى فلان وصل إليه، وتقول: هذا الشيء خالصة لك، أي خاص لك، وأصل الخلوص صفو الشيء من كل شائب.