التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا 16 فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا 17 قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا 19 قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا 20}

صفحة 4532 - الجزء 6

  ومتى قيل: هل يدل على أنه أفضل من عيسى؟

  قلنا: لا لأن السلام لا فرق بين أن يقول اللَّه تعالى السلام عليك وبين أن يأمر نبيه بأن يقول ذلك، وذلك يبطل قول من يقول: إنهما التقيا ففضله عيسى على نفسه لأجل أنه سلم اللَّه عليه، وما روي أن كل واحدٍ منهما قال لصاحبه: (أنت خير مني) إما ألا يصح؛ لأن أحدهما كذب لا محالة، إلا أن يحمل على أنهما أخبرا على ظنهما فيصح على البُعْدِ، فأما من قال في قوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} لطم الشيطان غير صحيح؛ لأن الشيطان لا يقدر على غير الوسوسة على ما قال تعالى.

  قال الأصم: كان عيسى رسولاً إلى يحيى كما قال تعالى: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ}⁣[ال عمران: ٣٩] يعني عيسى، وكانا جميعاً في زمن واحد، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث سنين، وهذا لا يدل على ما قال؛ لأن تصديقه بنبوته لا يوجب كونه نبياً إليه، كما أن نبينا ÷ صَدَّقَ الأنبياء، ونحن نعلم أنهما كانا نبيين، وكيف كانا؟ اللَّه أعلم بذلك.

قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ١٦ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ١٧ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ١٨ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ١٩ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ٢٠}