التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا 174 فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما 175}

صفحة 1841 - الجزء 3

  وتدل على بطلان قول من يقول: إنهم مجبورون على الطاعة، لا اختيار لهم؛ لأن مدحهم وما وصفهم تعالى به في القرآن لا يليق بذلك.

  وتدل على أنه تعالى يوفر الثواب ثم يزيدهم على ما استحقوا، وأنه لا يزيدهم على العقاب المستحق؛ لأنه ظلم، والأول إنعام وتفضل.

  وتدل على أن الثواب والعقاب يكون بعد الحشر.

  وتدل على أن الثواب والعقاب جزاء على الأعمال خلاف ما يقوله أهل الجبر.

  وتدل على أن أفعال العباد حادثة من جهتهم، فيبطل قولهم في المخلوق.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ١٧٤ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ١٧٥}

  · اللغة: البرهان: الشاهد بالحق في نفسه، وقيل: البرهان: البيان، يقال: برهن قوله؛ أي: بينه بحجة ومنه: {بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} أي: حجتان. والاعتصام: الامتناع، واعتصم فلان بِاللَّهِ: إذا امتنع من الشر به، والعصمة من اللَّه: دفع الشر عن عبده، وأعصمت فلانا: هيأت له ما يعتصم به، وكل متمسك بالشيء معتصم، واعتصم فلان بك: إذا لزمك. والعصمة من اللَّه على وجهين:

  أحدهما: بمعنى الحفظ، فيمنع كيد الكائدين، كما قال لنبيه، ÷: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

  والثاني: أن يلطف بعبده بشيء يمتنع عبده من المعاصي، وقيل: هو الأمر والدلالة، يقال: عصمه، فلم يعتصم من الناس، والأول قول شيخينا أبي علي وأبي هاشم رحمهما اللَّه. والصراط: الطريق المستقيم، خلاف المعوج.