التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون 56 كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون 57 والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين 58 الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون 59 وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم 60}

صفحة 5586 - الجزء 8

  وتدل على أن تأخير العذاب لأجل مسمى قد قدمه، ولولاه كان يعذبهم عذاب الاستئصال، وإن كانت الحياة أنفع لهم، فيبطل قول أصحاب الأصلح أن التبقية واجبة لهذه العلة؛ لأنهم يقولون: لولا اللطف في تبقيتهم لغيرهم لما أبقاهم الله، والله تعالى يقول: لولا ضرب الأجل لأفناهم.

  ويدل قوله: {ذُوقُوا} أن العذاب يستحق بعملهم، وأن أعمالهم حادثة من جهتهم، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ في المسألتين.

قوله تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ٥٦ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ٥٧ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ٥٨ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٥٩ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦٠}

  · القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وعاصم: {يَاعِبَادِيَ} بفتح الياء، وقرأ الباقون ساكنة غير مفتوحة، وكلهم يقفون عليه بالياء وإثباتها مَنْ فتح ومن لم يفتح؛ لأنها مثبتة في جميع المصاحف.

  وقرأ ابن عامر «أَنَّ» من قوله: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ولم يفتحها غيره.

  وقرأ عاصم في بعض الروايات عنه: «يُرْجَعُونَ» بالياء إلى الكل، الباقون بالتاء على الخطاب.

  قرأ حمزة والكسائي: «لَنُثْوِيَنَّهُمْ» بالثاء من أثويته منزلاً، والثَّوَاء: المقام، وقرأ الباقون: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} بالباء من بوأته منزلاً، ومنه: اللهم بَوِّئْنا مُبَوَّأَ صِدْقٍ، أي: أنزلنا، واتفقوا في (النحل): {لنَبُوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا}⁣[النحل: ٤١] أنها بالباء.