التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير 284}

صفحة 1083 - الجزء 2

  فلذلك عاد ذكره عن القاضي، والمعنى لا تكتموا الشهادة إذا دعيتم إلى إقامتها «وَمَنْ يَكْتُمْهَا» يعني ومن يكتم الشهادة عند الحاجة «فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» يعني فاجر عاص قلبه، وهو ابتداء وخبر، وإنما أضاف الإثم إلى القلب لأن الإنسان يقلبه، ولأن الكتمان عقد النية والعزم ولا نصيب للجوارح واللسان فيه، عن أبي علي وأبي مسلم «وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ» من الكتمان والإظهار «عَلِيمٌ» لأنه عالم لذاته، لا يخفى عليه شيء.

  · الأحكام: تدل الآية على التوثق بالرهن، وجواز الرهن عند تعذر الكتابة والإشهاد، والمعتاد عند عدم ذلك في السفر فلذلك خصه بالذكر، واختلفوا فقال مجاهد: لا يجوز الرهن إلا في السفر وعدم الكاتب، وأجمع الفقهاء على خلافه، وأن الرهن يجوز في الحضر، ورهن رسول اللَّه ÷ درعه عند يهودي.

  وتدل على أن الرهن لا يصح إلا بالقبض؛ لأن الوثيقة لا تتم إلا به، ثم اختلفوا، فعند أبي حنيفة يشترط حقيقة القبض، ولم يُجَوِّزْ رهن المشاع، وعند الشافعي يشترط القبض حكمًا فيجوز رهن المشاع، ويدل قوله: «فَإنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» أن لصاحب الحق ألا يكتب ولا يرتهن، ويترك الاحتياط، ويأَتمن من عليه، وقيل: هذا ناسخ لوجوب الكتابة والإشهاد، وقيل: بل تدل على أن ذلك ندب وإرشاد، قال القاضي: وكل ذلك يبعد، والصحيح أن الغرض بذلك بيان ضروب الاحتياط، وأنه لتحصين الأموال بين أن من يتكلف ذلك، وركن إلى أمانته، فليؤد أمانته.

  وتدل على أن كتمان الشهادة من الكبائر، ويروى في الخبر: «كاتم الشهادة كشاهد الزور».

قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤}

  · القراءة: قرأ «فيغفر» «ويعذب» برفع الراء والباء عاصم وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب