التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 46 ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين 47 الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون 48 وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين 49 فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير 50}

صفحة 5631 - الجزء 8

  وتدل أن بعض الجزاء قد يعجل في الدنيا.

  ومتى قيل: ما تلك العقوبة؟

  قلنا: ما نالهم من المحن والشدائد كالقحط والغلاء والأمراض، ولأن المتعالم أن الظلم إذا كثر انقطعت أسباب الخيرات، ويخلي الله تعالى بين عباده.

  ومتى قيل: أيكون ذلك عقوبة أو محنة؟

  فجوابنا: كلاهما جائز، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وقد قيل: بالعدل ينبت الله الزرع، ويَدُرُّ الضرع، وبالظلم يكون القحط، وضيق الرزق، وإمساك المطر.

  ويدل قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أنه أراد من الجميع الرجوع.

  ويدل قوله: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} أن الغالب فيمن مضى الشرك، وأنه لا معتبر بالكثرة، وإنما المعتبر بالأدلة.

  ويدل قوله: {يَصَّدَّعُونَ} أن طريق الجنة غير طريق أهل النار؛ لذلك يتفرقون إذا صدروا عن الموقف.

  ويدل قوله: {مَنْ كَفَرَ} أن الكفر فعلُهم.

  ويدل قوله: {لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} أنَّه لا يحب الكفر، فيدل أنه لا يريده، ولا يخلقه، فيبطل قولهم في المخلوق.

قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٤٦ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ٤٧ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ٤٨ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ٤٩ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٥٠}