التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل 44 وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم 45 وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل 46 استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير 47}

صفحة 6266 - الجزء 9

  قلنا: مع قيام الوعيد لا يكون إغراء، وتجويز الإسقاط بالعفو كتجويزه بالتوبة، ويجوز أن يعفو الله تعالى عن المُصِرّ، وإنما منعنا منه سمعًا.

  ويدل قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أنه لا يريد الظلم، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  ويدل على ورود الوعيد في أهل القبلة.

  ويدل قوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ} أن له استيفاء مثل حقه مِنْ ظالمه، كما له أن يعفو، وإنما الممنوع منه التعدي وطلب الزيادة.

  ويدل قوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} على حسن الصبر والعفو، وما فيهما من المشقة، وما يستحق عليهما من الثواب.

  وتدل الآيات على أن أفعال العباد حادثة من جهتهم لا من جهته؛ لأنه أضاف ذلك إليهم، والأمر والنهي والوعد والوعيد فيه، كقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ}⁣[النجم: ٣٢] {وَإِذَا مَا غَضِبُوا}، واستجابوا - وأقاموا - ويبغون - وينتصرون - وعفا وأصلح، ولا يحب الظالمين - ولمن انتصر - ويظلمون - ويبغون - وصبر - وغفر، كل ذلك يدل على قولنا في المخلوق.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ٤٤ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ٤٥ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ٤٦ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ٤٧}