التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب 2}

صفحة 1852 - الجزء 3

  مباحًا فلا يجب، والعقود كالبياعات والأنكحة والإجازات ونحوها فما كان عقدًا صحيحًا لزم الوفاء به، وهو إتمامه، وإتمامه إتمام موجباته.

  ويدل قوله: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنعَامِ» على تحليل أكله؛ ولذلك استثنى منه المأكول. وقد اختلفوا فيما علق به التحريم والتحليل، هل هو من المجمل المحتاج إلى بيان، أو من المبين؟ وكان شيخنا أبو الحسن يقول: إنه مجمل لوجهين: أحدهما: أن ما علق به التحليل والتحريم غير مراد، وثانيها: أن معناه يختلف فقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» المراد منه غير المراد بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ» وغيره، يقول: إنه مبين لأنه بالعرف علم أن التحريم تعلق بهذا في كل موضع، فيمكن العمل بظاهره.

  وتدل الآية على أن في الأنعام حلالاً وحرامًا لذلك قال: «إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيكُمْ».

  وتدل على تحريم الصيد على المحرِم، ولا شبهة أن التحليل مشروط بالذكاة بإجماع الأمة، وإذا أباح الذكاة لا بد أن يتضمن العوض للبهائم، وإلا كان ظلمًا فصارت الآية دالة على أنه يعوض البهيمة، وقد حكى الشيخ أبو علي | عن قوم أنهم علقوا الإباحة بالوفاء بالعقود، وأجاب بأن تقدير الكلام: يا أيها الَّذِينَ آمنوا أوفوا بالعقود، ويا أيها الَّذِينَ آمنوا أحلت لكم بهيمة الأنعام، فلا يصح جعل الأول شرطا في الثاني، وذكر أبو علي أن جميع ما أحل من ذلك، فهو حلال للمؤمنين، ولأهل الكتاب، وأنكره علي بن عيسى، والصحيح هو الأول.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٢}