التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 31}

صفحة 315 - الجزء 1

  خلاف مذهب الجبر أنه لا ظلم ولا فاحشة ولا فساد إلا من خَلْقِهِ وإرادته، ومع هذا كيف يصح التنزيه.

  وتدل على أن خَلْقَ مَنْ يعلم أنه يكفر يكون حكمة وصوابًا.

  ويدل قوله: (أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) على أنه لا يفعل القبيح؛ لأنه لو حسن منه كل شيء على وجه واحد لم يكن لهذا الكلام معنى، وإنما يكون مفيدًا في الجواب متى حمل على أني أعلم بالتدبير والمصالح فأفعل ما هو الأصلح.

  وتدل على إثبات المكلف فإنه تعالى خاطبهم، وَالمَلَكُ حيوان معروف متميز عن سائر الخلق بالصورة، وبأنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، ولهم أجنحة، ولا نراهم للطافة التي فيهم، إلا أن يقوي اللَّه شعاعنا، فنراهم كما يراهم المعاين، أو يحصل فيهم كثاقة كما في زمن الأنبياء، ثم اختلفوا فقال أصحابنا: هم مكلفون ومختارون، وقال جماعة: مجبورون، واختلفوا، فقال أصحابنا: هم معصومون لقول اللَّه تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وقيل: غير معصومين، واختلفوا أهم أفضل أم المؤمنون؟ فقيل: المؤمنون أفضل منهم، وهو قول جماعة، وقيل: هم أفضل من المؤمنين، والأنبياء أفضل منهم، وقيل: الأنبياء والأئمة أفضل منهم وهو قول جماعة من الإمامية، وقيل: نبينا أفضل منهم فقط، وقيل: لا يعلم ذلك، ويتوقف فيه.

  وعندنا: الملائكة أفضل من جميع الأنبياء؛ ولذلك قال تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} ولقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} وقوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}.

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣١}

  · القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو ويعقوب: «هَؤُلَاءِ» بمدة واحدة لا يمدونها إلا