التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 31 وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور 32 ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 33 إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير 34}

صفحة 5664 - الجزء 8

  وأراد به إدخال أحدهما على الآخر، وإيجاد الضياء والظلام متعاقبًا «وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» بأن أجراهما لمنافع خلقه «كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» قيل: هو يوم القيامة، عن الحسن. وقيل: إلى مدة معلومة «وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ» أي: عليم بأعمالكم وشكركم لهذه النعم «ذَلِكَ» يعني: ما تقدم ذكره يشهد «بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ» إلهًا، وهو الأصنام «الْبَاطِلُ» قيل: كونه قادرًا على جميع الأشياء عالمًا بها يوجب كونه إلهًا دون هذه الأصنام، وقيل: لما صحت هذه الأفعال منه وتعذرت على غيره دل أنه الإله، وقيل: ذلك لتعلموا أن الله حق «وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِي الْكَبِيرُ» قيل: القادر القاهر، نحو قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ}⁣[القصص: ٤] وقيل: جل عن السيئة وفِعْلِ القبيح، «الْكَبِيرُ» العظيم في صفاته.

  · الأحكام: تدل الآية على خلق الكلام، وعلى كونه مقدورًا لله، فيصح أن يزيد فيه، وأنه يقدر منه على ما لا غاية له.

  وتدل على البعث.

  وتدل على أنه تعالى دبر أمر الليل والنهار، والشمس والقمر، على ما دبر لمنافع خلقه.

  وتدل على أن أفعال العباد حادثة من جهتهم لقوله: {تَعْمَلُونَ} و {يَدْعُونَ}.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ٣١ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ٣٢ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ٣٣ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ٣٤}