التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين 96 فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين 97}

صفحة 1247 - الجزء 2

  وتدل على أنه محرم على بني إسرائيل من حيث وقع عليه الاستثناء، ولا يجوز أن يحرم عليهم إلا بدليل إما على جملة أو تفصيل، وذلك الدليل يجوز أن يكون نصًّا أو اجتهادًا أو نذرًا، ويجوز أن يكون في شريعته كلما نذر تحريمه عليه وعلى أمته يحرم.

  وتدل على جواز نسخ الشرائع؛ لأنه تعالى أخبر أنه حرم في شريعة إسرائيل دون شريعة إبراهيم ومن تقدمه.

  وتدل على معجزة لنبينا ÷ لأنه ادعى على كتابهم ما فيه، وادعى إحضاره ليظهر كذبهم فلم يحضروه مخافة الفضيحة.

  وتدل على عظيم إثم من يكذب على اللَّه، وذلك يكون في الديانات والفتاوى وغير ذلك، وتدل على أن كل معصية ظلم؛ لأن من أعظم الظلم أن يظلم العبد نفسه بفعل ما استحق به العقاب الدائم.

  وتدل آخر الآيات أن ملة إبراهيم موافقة لملة محمد ÷ إلا ما دل الدليل على اختلافها فيه.

  ومتى قيل: إذا كانت الشرائع بحسب المصالح، فكيف يجب في شريعة الإسلام لأنه ملة إبراهيم؟

  قلنا: لأن المصالح إذا وافقت ما تنازع إليه النفس، ويغلبه العقل كانت أحق بالرغبة، كما أنها إذا وافقت الغنى دون الفقر كانت أعظم في النعمة.

قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ٩٦ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٩٧}

  · القراءة: قراءة العامة «وُضِعَ» بضم الواو وكسر الضاد على ما لم يسم فاعله، وعن بعضهم «وَضَعَ» بفتح الواو والضاد بمعنى وضع اللَّه.