التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 92}

صفحة 492 - الجزء 1

  والثاني: كأنه - قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم مؤمنين؟ فلم تقتلون أنبياء اللَّه؛ لأن من كان مؤمنًا لا يقتل أنبياء اللَّه؟، وقيل: إن كنتم مؤمنين بالتوراة، وتقديره إن كنتم مؤمنين كما تزعمون فلم تقتلون أنبياء اللَّه؟ وفيها النهي عن ذلك، وقيل: (إن) بمعنى: ما كنتم مؤمنين، حكاه الزجاج، وهو وجه بعيد.

  ويقال: آمنوا خطاب لهَؤُلَاءِ الموجودين ولم يقتلون حكاية عن صنيع أسلافهم، فكيف وجه الجمع بينهما؟

  قلنا: فيه أقوال: قيل: إنكم بهذا التكذيب خرجتم من الإيمان بما آمنتم، كما خرج أسلافكم بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بالباقين.

  وقيل: إذا ادعى هَؤُلَاءِ الإيمان بالتوراة فذلك يوجب الإيمان بما يصدقه كسائر كتب اللَّه، وبما يقارنها المعجز لأن التوراة إنما يجب الإيمان بها لهذا الوجه، فمن قتل نبيًّا لم يصح إيمانه بالتوراة، ومن كذب نبيًّا فكذلك.

  وقيل: معناه فلم ترضون بذلك؟ وكانوا راضين بأفعال أسلافهم مصوبين لهم، مقتدين بهم.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الإيمان بكتاب من كتب اللَّه لا يصح إذا ترك بعضه، أو ترك ما هو مثله في اقتران المعجز به.

  وتدل على أن إجابة الداعي إلى الحق واجبة.

  وتدل على أن قتل النبيّ ÷ كفر، فيوجب بطلان قول من قال: إن الكفر لا يكون إلا في القلب.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ٩٢}