قوله تعالى: {ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين 64}
  استقر وقوف الجبل مدة ولم يسقط ترددوا بين الخوف والرجاء، كوقوف السحاب، وقيل: إنهم رأوا آيات كثيرة قبل ذلك، فلم يخافوا خوف إلجاء «خُذُوا» أي وقلنا لهم: خذوا {مَا آتَينَاكُمْ} أي أعطيناكم، وهو التوراة، عن أبي العالية وغيره. «بِقُوَّةٍ» قيل: بجد واجتهاد، عن ابن عباس والحسن وقتادة، وقيل: تقديره، عن أبي علي والأصم، وتقديره: خذوا وأنتم قادرون على أخذه، وقيل: بعزيمة وجد، وأخذه بقوة هو العمل بما فيه «وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ» قيل: تعرضوا لذكر ما فيه، وعلى هذا الذكر ضد النسيان، وقيل: أراد ادرسوا ما فيه «لَعَلَّكُمْ تتقُونَ» أي لتصيروا أتقياء، وقيل: لتنجوا من العذاب، عن أبي مسلم.
  ويقال: هل قبلوا التوراة؟
  قلنا: نعم دليله: «أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ»، وقوله: «ثُمَّ تَوَلَّيتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ».
  · الأحكام: الآية تدل على أن القدرة قبل الفعل؛ لأنه لا يجوز أن يقول: خذوا بقدرة، ولا قدرة فيهم، كما لا يجوز أن يقول: امش برجلك، وابطش بيدك، ولا يد ولا رجل، عن أبي علي، ولأنه لا يقال: خذوا والأخذ واقع.
  وتدل على أن رفع الطور فوقهم لم يوجب الإلجاء؛ لأن التكليف باق عليهم.
  وتدل أن رفع الطور فوقهم كان لطفًا لهم فيكونون أقرب إلى القبول، فهو بمنزلة مقاتلة الكفار.
  وتدل على معجزة عظيمة لموسى مضمومة إلى سائر معجزاته.
قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٦٤}