التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}

صفحة 517 - الجزء 1

  الكتمان؛ لأنه خلاف العادة، وإنما يجوز على العدد القليل؛ ولذلك قال: «فَرِيقٌ مِنْهُمْ».

  ويُقال: كيف نبذوا كتاب اللَّه وهم متمسكون بالتوراة؟

  قلنا: لأنهم لَمَّا لم يعملوا بها ابتغاء للرئاسة صاروا نابذين لها وراء ظهورهم، وقال الشعبي: هو بين أيديهم يقرؤونه، ولكن نبذوا العمل به، وقال سفيان بن عيينة:

  أدرجوه في الحرير والديباج، وحلوه بالذهب والفضة، ولم يحلوا حلاله، ولم يحرموا حرامه، فذلك النبذ، هذا إذا حمل الكتاب على التوراة، وقيل: لما جاءهم الرسول بهذا الكتاب، ولم يقبلوه صاروا نابذين للكتاب الأول أيضًا الذي فيه البشارة، عن أبي مسلم. «كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» قيل: لا يعلمون أنه حق وصدق، والمراد أنهم علموا فكفروا بغيًا وعنادًا، وقيل: كأنهم لا يعلمون ما عليهم في ذلك من العقاب. وقيل:

  كأنهم لا يعلمون ما في كتابهم، يعني أحلوا أنفسهم محل الجاهل بالكتاب، عن الأصم.

  · الأحكام: الآية تدل على أن من لم يعمل بكتاب اللَّه ردًّا وعنادًا يكفر.

  وتدل على أن الذنب مع العلم به أعظم، وعقابه أكبر.

قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ١٠٢}