التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما 74}

صفحة 1630 - الجزء 2

  الثالث: أن يكون في موضعه على معنى الحال كما تقول: مررت بزيد كأن لم يكن بينك وبينه معرفة فضلاً عن مودة.

  وأجاز الأوجه الثلاثة الزجاج، واختلفوا في قوله: (كأن لم يكن) قول مَنْ؟ فقيل:

  إنه حكاية عن المنافقين أنهم قالوا ذلك للذين أقعدوهم عن الجهاد، (كأن لم يكن) بينكم وبينه أي وبين محمد مودة، فيخرجكم معه لتأخذوا من الغنيمة؛ ليبغضوا إليهم رسول اللَّه، ÷ عن أبي علي، وقيل: إنه كلام اللَّه تعالى لا على سبيل الحكاية، يعني يقولون: هذا القول كأن لم يكن بينكم أيها المؤمنون وبين هذا المنافق مودة، فعلى القول الأول الكناية ترجع إلى رسول اللَّه ÷، وعلى الثاني على قائل هذا القول، واختلفوا في المودة فقيل: كأنه لم يعاقدكم على الإيمان ولم يظهر لكم المودة بذلك، وقيل: كأنه لم يعاقدكم على أن يجاهدوا معكم، وقيل: كأنه ليس من أهل دينكم. ولا مودة بينكم عن مقاتل «يَا لَيتَنِي» كلمة تمني يعني يتمنون «كُنتُ مَعَهُمْ» في تلك الغزوة «فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا» أصيب غنيمة عظيمة، وآخذ حظًا وافرًا منها.

  · الأحكام: تدل الآية على وصف المنافقين وتثبيطهم عن الجهاد وأفعالهم الخبيثة، وأنهم عند الفتح أوهموا أن تخلفهم من جهة الرسول؛ حيث لم يخرجهم لإفساد القلوب عليه، والتضريب بينه وبين المسلمين.

  وتدل على معجزة للنبي ÷ حيث أخبر عن سرائرهم، وتدل على عظم أمر الجهاد، وما يوجبه من الثواب الجزيل عند اللَّه.

قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ٧٤}

  · اللغة: {فَلْيُقَاتِلْ} أمر للغائب، يقال: لِيَضْرِبْ زيد، وليقتل عمرو. وشريت: بعت، واشتريت ابتعت، والأصل واحد، ويقال: شريت بمعنى اشتريت.