التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين 108 ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور 109}

صفحة 1270 - الجزء 2

  منها: أنه تعالي ذكر الفريقين، ولم يَنْفِ ما عدا ذلك، فلا يمتنع أن يكون هناك وجوه عليها غبرة تكون صفة الفساق، وبعد فإنه ذكر تعالى فيمن تسود وجوههم أنهم كفروا بعد إيمانهم، فإذا سئلوا عن الكافر الأصلي فلا بد لهم من جواب، فهو جوابنا.

  وقيل: الفساق تكون أتباعا في سواد الوجوه، كما يكون المؤمنون أتباعا للأنبياء في بياض الوجوه.

  وقيل: إن الكفار هم المقصودون بالعقاب، فكأنه لم يَعْتَدَّ بغيرهم، كما أن المؤمنين في الجنة هم المتبوعون فذكروا، وإن كان فيه الأطفال والمجانين.

قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ١٠٨ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ١٠٩}

  · اللغة: التلاوة: القراءة، وأصله من الإتباع.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنه لا يعاقب إلا بعد إقامة البينات والحجج نفيًا للظلم عن نفسه فقال تعالى: «تِلْكَ» قيل: هي التي تتلى عليكم، وقيل: ما تقدم ذكره «آيَاتُ اللَّهِ» حججه وبيناته «نَتْلُوهَا» نقرؤوها في القرآن «عَلَيكَ» يا محمد، وعلى أمتك «بِالْحَقِّ» قيل: بالصدق، وقيل: بالحق الذي يجب لله تعالى على عباده ليفعلوا ذلك، وقيل: نتلوها بأنها الحق، وقيل: بالوعد والوعيد الذي هو حق «وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ» أي لا يريد ظلمهم، بل هم الظالمون لأنفسهم «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» ملكًا وخلقًا «وِإلَى اللَّه تُرْجَعُ الأمُورُ» قيل: إلى حكمه وأفره يعود الخلق بعد فنائها أحياء؛ لأنه يعيدهم للجزاء، وقيل: إليه تدبير خلقه في الدنيا بالخلق والرزق والتصرف، ثم يرجع أمرهم إليه في الآخرة للجزاء، وإنما كرر اسم اللَّه، قيل: تفخيمًا وتعظيمًا، وقيل: ليكون كل واحد من الكلامين مكتفيا بنفسه.