التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين 58 فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون 59 فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون 60}

صفحة 6605 - الجزء 9

  وأما الرابع: فيقوك: اجتنبوا معاصيه فإنها سبب العقاب فيصح، وهم يقولون:

  لا يقدر على الاجتناب ما لم يخلق فيه، فلا معنى للتذكير، ويقولون: المعصية ليست سبب لعقاب، فلا يصح منهم من الوجهين.

  ويدل قوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} على صحة مذهب العدل؛ لأنه وليُّ كل نعمة، ويريد بكل أحد خيرًا ولا يريد شرًّا، فينبغي أن يفر منه إليه، فأما الْمُجْبِرَة فعندهم كل الشرور منه، ويريد من الكافر الكفر ليعذبه؛ بل خلقه للنار، وينبغي أن يفر منه لا إليه، وكذلك كل أحد لا يأمن أن يعذبه وإن أطاعه، وأن يعذبه بغير ذنب، ومن هذا حاله يفر منه.

  ومتى قيل: لِمَ قال: {تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} فخصهم به؟

  قلنا: لأنهم ينتفعون به حيث يتفكرون فيه، وينزجرؤن عن معاصيه، ويقدمون على طاعته بخلاف غيرهم.

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ ٥٩ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠}

  · القراءة: قراءة العامة: «المتينُ» بالرفع على أنه صفة للّه - تعالى، تقديره: هو الرزاق ذو القوة وهو المتين أي: القادر المقدر، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بكسر