التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين 147 فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين 148}

صفحة 1339 - الجزء 2

  ولأن أكثر القراء عليه.

  قراءة العامة: «فآتاهم اللَّه» بالتاء: أعطاهم، وعن الجحدوي: فأثابهم من الثواب.

  · اللغة: الإسراف والإفراط من النظائر، وأصل السرف مجاوزة الحد، وقيل: الإسراف مجاوزة الحق كائنًا ما كان من جهة الزيادة، والإقتار: مجاوزة الحق من جهة النقصان، وقيل: الإسراف مجاوزة الحق إلى الباطل بزيادة أو نقصان، فالأول أظهر في معناه.

  والإيتاء: الإعطاء، آتاه مالاً أي أعطاه.

  · المعنى: ثم حكى تعالى من أقوال الربانيين ما يدل على قوة دينهم وشدة يقينهم فقال تعالى: «وَمَا كَانَ قَوْلَهُم» قيل: قول الربانيين، عن الأصم وأبي مسلم، وقيل: قول النبي ÷ ومن معه، عن أبي علي، وقيل: هو قول من بقي بعد قتل من قتل «إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا» أي استر عليها واصفح عنا «وِإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا» تجاوزنا الحد، يعني اغفر تفريطنا وتقصيرنا، بَيِّنَ تعالى أنهم عند نزول المحن فزعوا إلى الدعاء والاستغفار، وانقطعوا إليه لعلمهم أنه لا ملجأ إلا إليه سبحانه، وأن النصر إنما تخلف عنهم لذنوب سبقت منهم فتابوا واستغفروا، ثم سألوا النصر فقالوا «وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا» في جهاد عدوك بتقوية القلوب والألطاف التي معها تثبت الأقدام، فلا تزول منهزمين، قال أبو علي: وتثبيت الأقدام فِعْلُهم، غير أنهم يثبتون بمعونته وألطافه وأمره، فلذلك صار مضافًا إليه، وإنما ذكر الأقدام؛ لأن بزوالها تحصل الهزيمة وغلبة العدو وبثبوتها يحصل الظفر، وقيل: معناه تثبتنا على دينك بلطفك حتى لا نزول عنه، عن الأصم «وَانْصُرْنَا» أعنا بنصرك «عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» الَّذِينَ جحدوا دينك ونبيك، ثم بين تعالى ما آتاهم عقيب دعائهم فقال سبحانه: «فَآتَاهُمُ» أي أعطاهم، وهم القائلون ما تقدم «ثَوَابَ الدُّنْيَا» يعني جزاء في الدنيا وهو النصر والظفر «وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ» الجنة،