التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير 162 هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون 163}

صفحة 1374 - الجزء 2

  من اللَّه بفعل الغلول، وتقديره: أفمن غل كمن لم يغل، وقيل: معناه أفمن أطاع اللَّه ورضي عنه كمن عصاه فسخط عليه، وقيل: أفمن اتبع رضا اللَّه بطاعته على ما كره الناس «كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّه» في العمل بمعصيته على ما أحبوا عن ابن إسحاق، وقيل: أفمن اتبع رضوان اللَّه بمتابعة رسوله كمن خالف الرسول فيما يسخطه عن الأصم، وقيل: أفمن اتبع رضوان اللَّه بالجهاد في سبيله كمن باء بسخط منه بالفرار منه عن أبي علي والزجاج «وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ» يعني مصيره ومرجعه إلى جهنم «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» يعني بئس المكان ما صار إليه؛ لأنه استفهام، والمراد الفرق بين الفريقين، يعني ليس من اتبع رضا اللَّه كمن باء بسخطه «هُمْ دَرَجَات» قيل: الكل لهم اختلاف مراتب؛ لأن الجنة درجات، والنار دركات، وقيل: أراد اختلاف مرتبتي الثواب والعقاب، فلهَؤُلَاءِ النعم والكرامة، ولأولئك العذاب والإهانة، وإنما قال: «هُمْ دَرَجَاتٌ» يعني لهم درجات، قيل: معناه هم ذوو درجات، وقيل: لأن اختلاف أعمالهم صيرهم بمنزلة مختلفي الذوات كاختلاف مراتب الدرجات، وقيل: هم أهل الدرجات، وقيل: هم في درجات على اختلاف منازل الفريقين عن أبي علي، وقيل: (هم) بمعنى (لهم) «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» أي. عالم بما يعملون في الدنيا، ويستحقون إحدى الدرجات، وقيل: إنه عالم بسرائركم فلا تتكلوا على الإسرار.

  · الأحكام: تدل الآية على أن نهاية المطلوب رضوان اللَّه، ونهاية ما يحترز عنه سخطه، وأن ذلك يُنال باتباع رسوله وطاعته وتجنب معاصيه، ففيه حث على الطاعة، وزجر عن المعصية.

  وتدل على تفاوت درجات المطيع والعاصي، وأن المطيع يفوز بالجنة ودرجاتها، والعاصي يدخل الدركات، وذلك يبطل قول الْمُجْبِرَةِ أنه يجوز أن يدخل المؤمنين النار والكافرين الجنة.

  وتدل على أن رضا اللَّه تعالى في الطاعة؛ لأن رضاه موافقة إرادته والاستمرار عليه.

  وتدل على أن الاتباع والعمل فِعْلُ العبد، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.