قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا 97}
  والنفاق، يعني تقبض أرواحهم وهم مصرون على الكفر لم يسبق منهم توبة. «قَالُوا» يعني قالت الملائكة لهم: «فِيمَ كُنْتُمْ»؟ قيل: هو سؤال توبيخ وتقريع، وقيل: معناه فيماذا كنتم؟ وقيل: فيمن كنتم؟ في حرب محمد ÷ أو في حرب أعدائه؟ وقيل: فيم كنتم من دينكم، وقيل: لماذا تركتم الهجرة؟ «قَالُوا» يعني المنافقين «كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ» يعني مقهورين تحت أيدي أهل الشرك في أرضنا وبلادنا، وقيل: أراد أرض مكة لكثرة الكفار وقلة المؤمنين «قَالُوا» يعني الملائكة «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّه وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا» أي تخرجوا إلى موضع يمكنكم أن توحدوا اللَّه وتعبدوه، فأكذبهم اللَّه، وبين أنهم كانوا مستطيعين للهجرة، ثم بَيَّنَ ما أعد لهم، فقال تعالى: «فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ» مسكنهم جهنم «وَسَاءَتْ مَصِيرًا» أي بئس المصير إلى جهنم، وقيل: بئس المسكن والمرجع جهنم لأهلها.
  · الأحكام: تدل الآية على وجوب الهجرة، وكانت واجبة قبل الفتح؛ ولذلك قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ثم نسخ، وقال: «لا هجرة بعد الفتح» وقيل: لم ينسخ.
  وتدل على أنه بأي وجه أمكن التخلص من المقام المحظور فواجب، عن سعيد بن المسيب: إذا عُمِلَ بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وعن القاسم بن إبراهيم: (إذا ظهر الفسق في دار ولا يمكنه الأمر بالمعروف فالهجرة واجبة).
  وتدل الآية على أن كل من خاف على دينه الفتنة في بلد يلزمه التحول، فأما إذا لم يخف وسلم دينه فربما يجب المقام لوجوه أخر، وربما يجب الخروج.
  وتدل على أن الوعيد معلق بترك الهجرة، فيبطل قول المرجئة، والآية وردت على سبب، فالمعتبر في الدلالة عموم اللفظ.