التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا 98 فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا 99}

صفحة 1712 - الجزء 3

  قلنا: لأن (عسى) فعل واقع يتعلق بفعل مستقبل، فلزمت (أنْ) للإنذار بهذا المعنى. وأما (لعل) فلم يجب فيها ذلك؛ لأنها حرف على طريقة أخواتها في الدخول على الابتداء والخبر.

  · النزول: قيل: نزلت في أناس من مكة تخلفوا عن الهجرة، وأعطوا المشركين المحبة.

  وقيل: قوم منهم ببدر على ظاهر الردة، فلم يقبل لهم معذرة، ثم استثنى الَّذِينَ أقعدهم الضعف عن الهجرة وهم مؤمنون، عن ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد وقتادة، قال ابن عباس: كنت أنا وأبي وأمي من الَّذِينَ لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وكنت غلامًا صغيرًا، وذكر الأصم عنه: كان أبي من المستضعفين من الرجال، وكانت أمي من المستضعفين من النساء، وكنت من المستضعفين من الولدان.

  · المعنى: لما تقدم الوعيد على ترك الهجرة استثنى أهل العذر، فقال تعالى: «إِلَّا الْمُسْتَضعَفِينَ» يعني من المؤمنين المقيمين بمكة، الَّذِينَ استضعفهم المشركون «مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» وهم العجزة عن الهجرة بالعسرة وقلة الحيلة، وإنما ذكر الولدان؛ لأن الواجب إخراجهم إذا لحقهم حكم الإسلام، فمن لا يخرجهم كمن لا يخرج بنفسه «لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً» أي لا يقدرون على حيلة الخروج من قوت ونفقة «وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» قيل: لا يعرفون طريق الخروج منها، وقيل: لا يعرفون طريقًا إلى المدينة، عن مجاهد وقتادة وجماعة من المفسرين «فَأُولَئِكَ» يعني: مَنْ تقدم ذكرهم «عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ» قيل: (عسى) من اللَّه واجب عن الحسن، وقيل: هو من اللَّه بمنزلة الوعد؛ لأنه لا يجوز عليه الشك، ومعناه يعفو عنهم يعني يتفضل عليهم بالعفو عن ترك الهجرة إذا تركوها للعجز «وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا» ذا صفح عن عباده