التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا 131 ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا 132}

صفحة 1773 - الجزء 3

  عنكم؛ لأن له ما في السماوات والأرض فيدعوكم إلى ما أعد لكم من الثواب؛ لنفع يرجع إليكم لا للاستكثار بكم أو لنفع يعود إليه، عن أبي مسلم، وقيل: لما بين الأحكام والأوامر عقب ذلك بأن له ما في السماوات إنما يأمركم لنفعكم فأطيعوه.

  ومتى قيل: فلماذا كرر «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ» ثلاث مرات؟

  فجوابنا، قيل: تأكيدًا وتذكيرًا، وقيل: البيان عن علل ثلاث: وذلك لأنه وجبت طاعته فيما قضى به؛ لأن له ملك السماوات والأرض، وكان غنيًّا عن جميع الأشياء مستحقًّا للحمد على جميع النعم؛ لأن له ملك السماوات والأرض، وكان وكيلاً على جميع الأشياء؛ لأن له ملك السماوات والأرض.

  · المعنى: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ» خلقًا وملكًا، وذكر بلفظ (ما)؛ لأنه أراد الجنس، «وَلَقَدْ وَصَّينَا» أمرنا «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» اليهود والنصارى أعطوا التوارة والإنجيل، وغيرهم أنزل عليهم سائر الكتب، «وَإِيَّاكُمْ» يعني وصيناكم أيها المسلمون في كتابكم «أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ» قيل: وحدوه ولا تشركوا به شيئًا، وقيل: اتقوا عذابه باتقاء معاصيه، «وَإنْ تَكْفُرُوا» تجحدوا بما أمركم به «فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ» قيل: معناه إن تكفروا فلله عباد يوحدونه كالملائكة والمؤمنين، وقيل: إنكم بخلافكم لا تضرون غير أنفسكم؛ لأنه غني عنكم له ما في السماوات، وقيل: له ما في السماوات والأرض فهو يقدر على الانتقام منكم، ومنع عطائه عنكم «وَكَان اللَّه غَنِيًّا حَمِيدًا» قيل: كان غنيًّا عن طاعتكم، وله الحمد حيث دعاكم إلى ما فيه حظكم، عن أبي مسلم، وقيل: هو غني عنكم ومع غنائه يحمدكم على طاعتكم إذا أطعتموه، وقيل: هو الغني الذي يجب حمده على نعمه فهو مستحق للحمد، عن أبي علي، ومعنى الغني: أنه لا يجوز عليه الحاجة، عن أبي علي وأبي هاشم ثم اختلفا، فقال أبو علي: هو غني لذاته، وقال أبو هاشم: صفات النفي لا تعلل بالذات ولا بالمعنى، وقيل: الغني: هو القادر الذي لا يعجزه شيء فهو من صفات الذات، عن أبي القاسم، والغنى على ضربين: غنى بالنفس، فلا يحتاج إلى شيء، وغنى بالشيء،