التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا 174 فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما 175}

صفحة 1842 - الجزء 3

  · الإعراب: الهاء في قوله: «به» قيل: يعود على البرهان، وهو القرآن، عن ابن جريج وأبي علي، وقيل: يعود على اسم اللَّه على معنى الاعتصام لطلب مرضاته، وفي (صراط) قولان:

  أحدهما: على المفعول به؛ لأن فيه معنى يعرفهم صراطًا مستقيمًا.

  الثاني: على القطع من الهاء في (إليه) يعني ويهديهم إلى الحق صراطًا مستقيمًا، فحمل النصب على المعنى، وهو على هذا الوجه حال عندنا، عن علي بن عيسى، ونصب (مستقيما)؛ لأنه صفة للصراط.

  · النظم: اتصال الآية بما قبلها اتصال الدليل بالأحكام، لأنه لما فصل ذكر الأحكام التي يجب العمل بها ذكر البرهان ليكون الإنسان على ثقة منها، وقيل: لما ذكر حديث عيسى وما قيل فيه وما احتج عليهم خاطب بأنه قد جاءكم برهان فاتبعوه، ولا تتبعوا أهل الزيغ.

  · المعنى: «يَا أَيُّهَا» نداء وتنبيه «النَّاسُ» خطاب لجميع المكلفين «قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ» أي: حجة قيل: هو النبي ÷ لما معه من المعجزات التي تشهد بصدقه فيما يؤديه ويدعو إليه، وقيل: أراد جميع الحجج «وَأَنزَلْنَا إِلَيكُمْ نُورًا مُبِينًا» قيل: هو القرآن، عن الحسن وقتادة وابن جريج، وشبه بالنور؛ لأنه يتبين به الحق من الباطل، كما بالنور تتبين الأشياء وتميز الأشخاص والألوان «مُبِينًا» يبين الأحكام والحق من الباطل «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ» أي: بوحدانيته، وما يجوز عليه، وما لا يجوز عليه، ونزهوه عن صفات الخلق وقبائح الفعل «وَاعْتَصَمُوا بِهِ» قيل: امتنعوا بالقرآن عن المعاصي، وقيل: امتنعوا بِاللَّهِ وطاعته، واتباع أمره من شر الشياطين، وهوى النفس «فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ» يعني: الجنة «وَفَضْلٍ» ما يبسط لهم من الكرامة من تضعيف الحسنات، وما يزيدهم