التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون 44}

صفحة 360 - الجزء 1

  مجموعة إذا حصل في الإنسان صار مكلفًا، وآخر علوم العقل العلم بالواجبات العقلية والمحسنات والمقبحات، وسمي ذلك عقلاً، تشبيهًا بالعقال؛ لأنه يمنعه عن الإقدام على القبيح، وقيل: العقل قوة يمكن بها الاستدلال بالشاهد على الغائب، واختلفوا فقيل: العقل لا يختلف، وقيل: يختلف وإن كان قضاياه لا تختلف.

  · النزول: اتفقوا أن الآية نزلت في اليهود.

  · المعنى: لما أمر اللَّه تعالى اليهود بالإيمان بَيَّنَ لهم ذم ما هم عليه فقال تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاس» خطاب لعلمائهم بأنهم يأمرون عوامهم «بِالْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفسَكم»، يعني: تتركون أنفسكم ولا تعملون به، واختلفوا في البر الذي أمروا به، فقيل: التمسك بكتابهم، كانوا يأمرون به أتباعهم ويتركون ذلك؛ لأن جحدهم النبي ÷ وصفَتُهُ فيه تَرْك للتمسك به، عن ابن عباس، وقيل: أمروا بطاعة اللَّه وتركوا طاعته، عن قتادة والأصم، وقيل: أمروا ببذل الصدقة وضنوا بها؛ لأنهم - كما وصفوا - قست قلوبهم وأكلوا الربا والسحت، وقيل: كانوا ينصحون العوام باتباع الأدلة ولا يتبعونها، بل اتبعوا الشهوات، وقيل: كان الرجل منهم يقول لقرابته من المسلمين في السر إذا سأله عن النبي ÷ اثبت على الدين الذي أنت عليه، ودعاك محمد إليه، فإنه حق، وقَولُهُ صِدْقٌ، ولا يؤمن هو، فأنزل اللَّه: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرّ» يعني بالإيمان بمحمد، ولا تؤمنون به، وقيل: كانوا يأمرون العرب بالإيمان إذا بُعث، فلما بعث كفروا، عن أبي مسلم، «وَأَنْتمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ» يعني تقرؤون التوارة، وفيه صفته ونعته، عن ابن عباس وجماعة.

  ومتى قيل: الأمر بالبر طاعة فكيف نهوا عنه؟