التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون 14}

صفحة 1911 - الجزء 3

  يقل: من النصارى، ليدل على أنهم ابتدعوا النصرانية، وتسموا بها عن الحسن «أَخَذنا مِيثَاقَهُمْ» قيل: الإقرار بتوحيد اللَّه، وأن عيسى عبده ورسوله وبجميع الأنبياء، عن أبي علي، وقيل: بجميع ما أمرهم به فنقضوا «فَنَسُوا» أي: تركوا «حَظا» نصيبًا «مِمَّا ذُكرُوا» من الميثاق، وقيل: من الكتاب المنزل عليهم «فَأَغْرَيْنَا بَينَهُمُ» ألصقنا بينهم «الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ» وقيل: بين اليهود والنصارى، عن مجاهد وقتادة وابن زيد والسدي وأبي علي، وقيل: في دياناتهم، وقيل: في أمر عيسى، وقيل: بين النصارى خاصة كما بين الملكية، والنسطورية، واليعقوبية، عن الربيع والأصم والزجاج وأبي مسلم، فكل فرقة قالت في عيسى قولاً خالفت الفرقة الأخرى، كثرتهم وعداوتهم بينهم قيل: هي الأهواء المختلفة في الدين التي أحدثوها، عن إبْرَاهِيم، فأما إغراؤه تعالى، فقيل: بإلقاء البغضاء بينهم، عن الحسن وقتادة، وقيل: بأمر بعضهم بمعاداة البعض، عن أبي علي، وقيل: بالتخلية، وقيل: بالحكم والبيان، وقيل: بالألطاف، فإن معاداتهم حسنة «إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، يعني العداوة تبقى بينهم إلى يوم القيامة، فإما بين اليهود والنصارى أو بين النصارى «وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ» يخبرهم «بِما كَانُوا يَصْنَعُونَ» أي: يجازيهم على صنيعهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن النصارى نقضوا الميثاق كما فعل اليهود، وأن الجميع كتموا أَمْرَ محمد ÷.

  وتدل على أن اختلاف اليهود والنصارى يبقى إلى يوم القيامة في أمر عيسى: اليهود جحدوه، والنصارى زعموا أنه إله، فأما بين النصارى، فلكل واحد مقالة، وبعضهم يكفر بعضًا.