التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين 108}

صفحة 2127 - الجزء 3

  · اللغة: الدُّنُوُّ: القرب، دنا يدنو، وسميت الدنيا لدنوها، والنسبة إليها دنياوي، ودانيت بين الأمرين: قاربت بينهما، وأَدْنَتِ الفرسُ دَنَا نتاجها، وأدنى: أقرب، ويُقال: لقيته أَدنَى دَنِيٍّ ودني.

  والرد: مصدر رددت الشيء ردًّا، ومنه المرتد الذي يرد نفسه إلى كفره، والرِّدُّ

  بكسر الراء: عماد الشيء الذي يرده.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى وجه الحكمة في استحلاف الشهود فقال سبحانه: «ذَلِك أَدْنَى» أقرب «أَنْ يَأتوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا» أي يؤدونها على وجهها لا يكتمون شيئا ولا يزيدون شيئًا «أَوْ يَخافوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ» يعني يتحفظون في الشهادة مخافة أن ترد اليمين والشهادة إلى المستحق عليهم، فتظهر الفضيحة، ويسترد المال، فيخافون، ويتحرزون عن الكذب «وَاتَّقُوا اللَّهَ» أي اتقوا معاصيه قبل أن تحلفوا كاذبين، أو تخونوا الأمانة، «وَاسْمَعُوا» ما أمرتكم به ووعظتكم به، «وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» قيل: لا يحكم بهدايتهم، ولا يصفهم به، وقيل: لا يهديهم إلى ثوابه وجنته، عن أبي علي، والفاسق: الخارج عن طاعة اللَّه تعالى.

  · الأحكام: تدل الآية على ما لأجله حكم بالإيمان وردها على مَنْ يجب ردها عليه، وتدل على أن الهداية لا تنال الفاسق، ولا شبهة أنه تعالى قد دَلَّهُ على الحق، وبين له وأزاح علته، فلم يبق إلا أحد الَّذِينَ ذكرنا، وتدل على وجوب التقوى والتحرز في الشهادات، وأنه لا ينبغي أن يُغَيِّرهَا عن وجهها، بل يؤديها كما هي، وعلى هذا