قوله تعالى: {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين 60}
  كقوله: لقيت الرجل، وقيل: كان حجرًا خفيفًا إذا رحلوا حمل في مخلاة، وإذا نزل ضربه بعصاه فانفجر الماء منه، عن ابن عباس، وقيل: كان حجرًا فيه اثنتا عشرة حفرة يخرج من كل حفرة عينًا، عن أبي روق «فَانفَجَرَتْ» يعني ضرب فانفجرت، قيل: كان يضرب عليه العصا، وقيل: كان يضع عليه فانفجرت، أي انشقت.
  ويُقال: كيف قيل ههنا: «انفجرت»، وهو خروج الماء بكثرة، وفي الأعراف «انبجست» وهو خروجه قليلاً قليلا؟
  قلنا: كان ابتداؤه انبجاسًا، ثم انفجارًا، وقيل: كان ينفجر عند الحاجة، وينبجس عند الحاجة، وقيل: كان ينبجس عند الحمل، وينفجر عند الوضع.
  ومتى قيل: من أين يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصغير؟
  قلنا: كان اللَّه يخلقه ابتداء، معجزة لموسى، ونعمة عليهم، ولا يجوز أن تكون الأجسام الكبيرة مستكنة في جسم صغير، ومن علم أنه تعالى قادر لذاته لا يتعجب من مثل هذا، وإنما يتعجب الملحدة الَّذِينَ لم يعرفوا اللَّه حق معرفته «مِنْهُ» يعني من الحجر «اثْنَتَا عَشْرَةَ عَينًا» يعني انشق الحجر فخرج اثنتا عشرة عينًا من الماء، لكل سبط من أسباطهم عين، كيلا تقع مزاحمة «قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشرَبَهُمْ» يعني علم كل سبط وفرقة موضع شربهم «كلُوا وَاشْرَبُوا» يعني قلنا لهم، وهذا كلام مبتدأ «مِنْ رِزْقِ اللَّه» من عطائه، والرزق ماله أن ينتفع به وليس لأحد منعه «وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ» يعني لا تفسدوا بأكل رزق غيركم قهرًا وغصبًا، وجمع بين العيث والفساد تأكيدًا، وقيل: لأن الفساد أعم من العيث؛ لأنه يتعلق بالمال وغيره.
  · الأحكام: الآية تدل على معجزة عظيمة لموسى # من حيث كان ضرب حجرًا فانفجرت منه عيونٌ، وإذا ضربه ثانيًا أمسك.
  وتدل على نعمة عظيمة على بني إسرائيل.
  وتدل على أن الرزق هو الحلال؛ لذلك أطلق الأمر بأكله.
  وتدل على النهي عن الفساد.