قوله تعالى: {وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 61}
  أبي روق، وقيل: احتملوا، عن أبي عبيدة، وقيل: حل ذلك بهم عن استحقاق، عن أبي مسلم، والمعنى بعد ما كانوا على حالة جميلة صاروا في غضب اللَّه «بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه» قيل: غضبه ذمه إياهم ولعنه لهم، وقيل: إرادته أن يعاقبهم على ما استحقوه، وقيل: غضبه عقوبته «ذَلِكَ بِأَنهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه» يعني يجحدون آيات اللَّه وحججه وبيناته، وقيل: الإنجيل والقرآن، ولذلك قال: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} قيل: الأول لكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني لكفرهم بمحمد والقرآن؛ وقيل: لترادف المعاصي منهم، وقيل: آيات اللَّه: صفة محمد ÷، «وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بغَيرِ الْحَقّ» أي بغير جرم كزكريا ويحيى وغيرهما @ «ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا» اللَّه تعالى «وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» أي يتجاوزون الحد في أوامره، ويرتكبون محارمه.
  فإن قيل: هم في وقت موسى لم يكفروا، ولا قتلوا نبيًّا؟
  قلنا: كفروا مرارًا في وقت موسى بعبادة العجل، وبقولهم: اجعل لنا إلهًا وبقولهم: اذهب أنت وربك، وقيل: إنه أراد بيان ما فعلته فرق اليهود من وقت موسى إلى وقت نبينا @.
  فإن قيل: كيف يجوز التخلية بينهم وبين قتل النبي؟
  قلنا: الذي يجب أن يعصمه حتى يبلغ رسالته؟ كيلا تفوت المصالح، فإذا بَلَّغَ جاز التخلية، كما يجوز أن يميته.
  فإن قال: لم قال: «بغير حق» وقتل النبي لا يكون قط بحق؟
  قلنا: تأكيدًا، وقيل: أراد قتلوهم ظلمًا، وسواء قوله قتلته بغير حق، أو قتلته ظلمًا، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: الآية تدل على سوء اختيار العبد، وأن اختيار اللَّه له خير من اختياره لنفسه.
  وتدل على سوء بصيرة أولئك القوم.
  وتدل على معجزة نبينا حيث أخبرهم بسرائر أخبارهم من غير أن قرأ كتابًا، ولا سمع حديثًا.