التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون 159}

صفحة 2481 - الجزء 4

  وقيل: نزلت في أهل البدع، وأهل الضلالة والشبهات من هذه الأمة رواه أبو هريرة مرفوعًا.

  · المعنى: ثم ذكر وعيدًا معطوفًا على ما تقدم من الوعيد، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ» يعني خرجوا من الدين، من المفارقة، وفرقوا من التفريق، أي: جعلوا دين اللَّه، وهو واحد أديانا، فتهود بعضهم، وتنصر بعض، وقيل: هم أهل البدع جعلوا دين اللَّه وهو الحنيفية أديانًا، فهم الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة. «دِينَهُمْ» قيل: الذي أمرهم اللَّه به، وجعله دينًا لهم، عن الأصم وأبي علي وهو الوجه، وقيل: الدين الذي هم عليه لإكفار بعضهم بعضًا «وَكَانُوا شِيَعًا» يعني فرقًا، قيل: هم اليهود تفرقوا فرقًا، عن مجاهد، وذلك أنهم مالوا إلى عُبّاد الأوثان، ونصروهم على المسلمين، وقيل: اليهود والنصارى، عن قتادة؛ لأن اليهود فِرَق يُكَفِّرُ بعضهم بعضًا كاليعقوبية والنسطورية والملائكية، وقيل: هم أهل البدع من هذه الأمة، عن أبي هريرة، ورواه مرفوعًا، كأنه تحذير من تفرق الكلمة، ودعوة إلى الاجتماع، وقيل: جميع المشركين، عن الحسن والأصم وأبي علي وهو الوجه؛ لأنهم جميعًا بهذه الصفة فارقوا النبي ÷، وتركوا دينهم، وصاروا أحزابًا «لَسْتَ مِنهُم في شَيءٍ» أي: لست من موالاتهم في شيء بل أنت بريء منهم، لا توال من خالف دينك، وقيل: أمره بالمباعدة التامة بحيث لا يجتمع معهم في مذهب فاسد، وقيل: سبيلهم غير سبيلك؛ لأنهم كفار، وأنت على بينة من ربك، وهدى من دينك، عن الأصم، وهو الوجه، وقيل: إنه أَمْرٌ بالكف، ثم نسخ بآية السيف، وليس بالوجه؛ لأنه إذا احتمل معنى صحيحًا من غير نسخ فلا معنى لحمله على النسخ، وقيل: من عذابهم في شيء؛ لأنه - تعالى - يؤاخذهم بفعلهم، ويجازيهم عليه، وقيل: كانوا يؤذونه فيغتم فقال: لا تغتم، فاللَّه يكفي أمرهم «إِنَّما أَمْرُهُم» في مجازاتهم عن سوء أفعالهم «إِلَى اللَّهِ»، وقيل: أمرهم في الإنظار والاستئصال إلى اللَّه، وقيل: أمرهم يعني الحكم بينهم في اختلافهم إلى اللَّه، عن الأصم، «ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ» يخبرهم، ويجازيهم «بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» من المعاصي.