التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين 54}

صفحة 2589 - الجزء 4

  وقيل: استوى أمره وتدبيره على العرش، عن الحسن، يعني بذلك نفاذ أمره فيما يريده.

  وقيل: استولى على ملكه فهو قادر على جميع ما خلق يصرفه كيف شاء، خلاف قول المجوس.

  وقيل: استوى على بناء السماوات والأرض، كلا الوجهين، عن أبي مسلم.

  وقيل: قصد إلى خلق العرش، عن الفراء وجماعة.

  فأما ما قاله الكلبي ومقاتل استقر على العرش فغير صحيح؛ لأنه من صفة الأجسام واللَّه - تعالى - ليس بِجِسْمٍ، ولا تجوز عليه الجهة والمكان.

  «يُغْشِي اللَّيلَ النَّهَارَ» يلبسه بأن يأتي أحدهما بعد الآخر فيجعل ظلمة الليل بمنزلة الغشاوة للنهار «يَطْلُبُهُ حَثِيثًا» سريعًا أي: يتلوه فيدركه، وهذا توسع؛ لأن الطلب عليهما لا يجوز، والمراد يأتي بالليل عقيب النهار وبالنهار عقيب الليل «وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ» مذللات «بِأَمْرِهِ» أي: بإرادته، يعني أنه يجري على حسب ما يريده، عن أبي علي وأبي مسلم. وقيل: بفعله، يعني أنه المجري لجميعِ ذلك، وقيل: يأمر [بتوحيده وطاعته] دون مَنْ سواه، عن الأصم. «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ» أي: هو القادر على خلق ما يشاء من الأجسام والأعراض، له خلقه لا يقدر عليه غيره، «والأمرُ» أي: له أن يأمر فيما خَلَقَ بما أحب. وقيل: هو الذي ينفذ أمره، يعني إرادته، عن أبي علي. وقيل: الأمر كله له، فلا مزاحم له، والمراد بالأمر الأفعال «تَبَارَكَ اللَّهُ» وتعالى، قيل: تعالى - بدوام الثبات، وقيل: تعالى - بالبركة أي البركة في ذكر اسمه، وقيل: تعظم عن الضحاك. وقيل: تمجد عن الخليل. «رَبُّ الْعَالَمِينَ» خالق العالمين وسيدهم.

  · الأحكام: تدل الآية أنه - تعالى - يُعرف بهذه الأفعال وأمثالها، ولو كان يدرك ويبصر لكان تعريفه بذلك أولى.