قوله تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون 127 قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين 128}
  قبل ولادة موسى من ابتداء تلك السنة، فما زال يقتل حتى جاءهم موسى بالرسالة، وبعده بعد غلبة موسى على السحرة أمرهم بإعادة القتل «وِإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ» يعني غالبون عليهم بالقدرة والملك، قاهرون لهم، فلما بلغهم وعيد فرعون «قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ» آمرًا بالاستعانة بِاللَّهِ والصبر حتى يأتيه الفرج، وقيل: سكن بنو إسرائيل لمَّا أعاد فرعون القتل إلى موسى فقال: «اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ» أي: اطلبوا المعونة من جهته على دفع شرهم «وَاصْبِرُوا» على ما ينالكم في الدين من أذى فرعون وقومه إلى أن يصلح اللَّه أمركم، وقيل: استعينوا به على طاعته واصبروا في أوامره «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ» ملكًا وخلقًا «يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» قيل: فيه تسلية للنبي ÷ فإنها لا تبقى على أحد وتنتقل من قوم إلى قوم، وقيل: فيه إطماع بأنه يورثهم أرض فرعون وقومه، عن الأصم. «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» قيل: عاقبة الخير لمن اتقى معاصي اللَّه وهو النصرة والظفر، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنة. وعن ابن عباس: لما آمن السحرة اتبع موسى من بني إسرائيل ستمائة ألف.
  · الأحكام: تدل الآية على أن قوم فرعون عجزوا عن معارضة موسى في الآيات فعدلوا إلى إغراء فرعون بموسى وأوهموه أن تركه فساد في الأرض، وأنه عند ذلك أوعده، وذلك من أدل الدليل على نبوة موسى؛ لأن قتل صاحب المعجزة لا يقدح في معجزته؛ لهذا قال مشايخنا: إن العرب لما عدلوا عن معارضة القرآن التي في إيرادها إبطال أمر النبي ÷ إلى القتال الذي لا يفيد ذلك دل على عجزهم، وهكذا حال كل ضال مبتدع إذا أعيته الحجة عدل إلى التهديد والوعيد.