التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 79}

صفحة 453 - الجزء 1

  ويكون بأمره، كقوله: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} وإنما أمر به، فههنا حقق الإضافة، قال ابن السراج: بأيديهم أي من تلقائهم، يقال للذي يبتدع قولاً لم يقل قبله، هذا أنت قلته، وأنت ابتدعته، وقيل: كتبوا بأيديهم إخفاء لكذبهم مخافة الفضيحة.

  ويقال: ما الذي كتبوا؟

  قلنا: قيل: تحريف الكتاب على ما بينا، وقيل: الإخبار عن موسى # أنه لا تقوم الساعة إلا على ملته، ونحوها استمالة للعوام.

  «لِيَشْتَرُوا به ثَمَنًا قَلِيلًا» يعني يأخذون بدلا، وهو ما يأخذونه من عوامهم، ولفظ الشراء توسع، والمراد تركوا الدين والحق، وأظهروا الباطل؛ ليأخذوا شيئًا، كمن يشتري السلعة بما يعطيه «فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كتَبَتْ أَيْدِيهِمْ» أي عذاب لهم بسبب ما فعلوا من تحريف الكتاب، ووضع الأخبار على ما بينا.

  ومتى قيل: لم كرر «ويل»؟

  قلنا: توكيدًا وإيعادًا، وقيل: لأنه بَيَّنَ أولاً أن كتابته حرام، وبين ثانيًا أن الكسب به حرام، وعلق الوعيد بكل واحد منهما «وَوَيْل لَهم مِمَّا يَكْسِبُونَ» قيل: من الخطيئة، عن أبي العالية، وقيل: مما يجمعون من المال الحرام والرشا، وهو ما كانوا يأخذون من عوامهم، عن أبي علي. وقيل: ما يكسبون من الخط مالاً أو جاهًا أو رئاسة، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الكتابة فعل العبد؛ لذلك وبخهم وأوعدهم، ولو كان خلقًا لكان إضافته إليه أولى، ولأن الكتابة متولدة عنهم، وعندهم أنه ليس بكسب للعبد، فكيف إضافتها إليه.

  وتدل على أنه لا يجوز قبول كل رواية، بل يجب التمييز بين الحق والباطل، فدل من هذا الوجه على أنه لا يجوز قبول أخبار الآحاد التي يرويها المبتدعه والمشبهة لرئاسة أو جر نفع.